28 عاما مرت على أسطورة المناجل التي فلقت هامات جنود الاحتلال الصهيوني، وظل صداها يتردد مجلجلا حتى يومنا هذا، حيث أنها حفظت في سجل العمليات البطولية لحركة الجهاد الإسلامي، ولم يزل أبطالها الأربعة يقبعون في سجون الاحتلال يقضون حكما مؤبدا.
تفاصيل العملية
في يوم الجمعة، وبتاريخ 14/2/1992م، تجهز الأبطال إبراهيم إغبارية "أبو جهاد"، محمد إغبارية "أبو عبد الله"، محمود جبارين "أبو إياد"، يحيى إغبارية "أبو عبد الرحمن"، لينفذوا خطة رسموها بالتوكل على الله، بعد أن عرفوا حقيقة الدنيا وتعمقوا في الإيمان، فنفروا من الحياة الدنيا، وفزعوا إلى الجهاد حبا في الشهادة ولقاء الله.
خرج الفرسان الأربعة يوم الخميس 13/2/1992 م من منطقة المشيرفة بالداخل المحتل، وتوجهوا نحو معسكر يبعد عنهم حوالي 10 كيلومترات ، يسمى (جلعاد) وأخذوا سلاحهم ومعداتهم وحفظوها في مكان آمن قرب المعسكر، وبعد يومين، وبالتحديد يوم الجمعة 15/2/1992 م خرج الأسود لتحقيق الأسطورة حيث أنهم وصلوا إلى مكان يبعد عن المعسكر نحو ستة كيلومترات.
أخرجوا معداتهم وزادهم ووضعوها قريبة منهم، وكان بحوزتهم منجل وسيف وبلطات وسكاكين وناظور كاشف وبعض التمرات وقليلاً من الماء وبعض الأكياس لحفظ الذخيرة عند العودة، وبعد صلاة العصر تمركز المجاهدون الأربعة قرب المعسكر بين الشجر وأخذوا يصلّون ويدعون الله ويسبحون ويهللون، وأقاموا جلسة لذكر الله وتلاوة القرآن، حتى شعروا بالسكينة والطمأنينة وأحسوا بأنهم جنود الله لا يخافون لومه لائم، وقاموا بعدها بمراقبة المعسكر بالمنظار وحددوا موعد الهجوم.
رتبوا خطة للانسحاب، وقرروا أن يدخلوا المعسكر الصهيوني في الساعة الواحدة مساءً، وكان المعسكر مقاماً على منطقة عربية تسمى الروحة، واتفقوا على الانطلاق في الساعة الحادية عشرة مساءً.
كان الأبطال يرتدون ملابس جيش الاحتلال، واجتازوا أسلاكا في الطريق، بعد أن عرفوا تفاصيل المعسكر بالمراقبة، حيث انه كان يتكون من ثلاثة عشر خيمة ومطبخ ومكان للأكل بطول 30 × 4 متر، ومكان للتدريب بين الخيام، وخيمة للحرس.
حدد الأبطال مكان الهجوم والخطة واقتربوا من بعضهم وتعاهدوا على الموت ورددوا بصوت واحد (مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين) وساروا بخط واحد كل منهم يحمي أخاه واقتربوا من المعسكر، حيث أنهم تصادموا بحارس بيديه رشاش، ولكنه لم يستطع إطلاق طلقة واحدة، وهرب ليتصل، ولكن جهاز الاتصال لم يعمل بتوفيق الله عز وجل.
وقذف الله في قلبه الرعب وبدأ يبكي وهرب بالجنود وإذ بهم يجهزون أسلحتهم لتبدأ المعركة، ودخل جند الله الخيمة، وبدأت المعركة بين فرسان حركة الجهاد الإسلامي وبين الصهاينة.
بدأت معركة داخل الخيمة، حيث أن البطل محمود الجبارين كان في بداية الصف، وتقدم أحد الفرسان وانقض على الحارس ورماه محمد اغبارية بالمنجل، فغرسه في بطنه ووقع صريعاً ملطخاً بالدماء، فتركه محمد واستعمل سكينا آخر كانت بحوزته، وبدأ الفرسان الأربعة معركة طاحنة بداخل الخيمة فكان يحيى اغبارية يحمل سكيناً بطول 25 سم ، ويحمل ابراهيم اغبارية سيفاً وسكيناً أخرى، ومحمود جبارين بلطة وسكينا.
واشتبك إبراهيم اغبارية مع أحد الجنود، وكان طويل القامة، ضخم الجسم، فسيطر الجندي على إبراهيم وخطف سيفه وأراد أن يطعنه به، ولكن البطل أمسك بالسيف من المنطقة الحادة، وجرت مقاومة شرسة وعنيفة، ونظر محمد اغبارية إلى ابراهيم ورأى المنظر، فتقدم نحو الجندي وغرس في ظهره السكين فوقع على الأرض وأمسك ابراهيم السيف وطعنه عدة طعنات في الرقبة، ونظر ابراهيم إلى يديه فكانت المعجزة، إذ لم تصب يد ابراهيم، على الرغم من أن السيف حاد جداً، والمقاومة عنيفة.
وتقدم محمود جبارين نحو أحد الجنود وهجم عليه طعناً وأرداه قتيلاً، ونظر أبو عبد الله في الخيمة وإذا بإخوانه جميعاً منهالين طعناً بالسكاكين وضرباً بالبلطات على جميع الموجودين في الخيمة وفجأة، رأى جندياً يحمل سلاحه ويجلس في آخر الخيمة ويرتجف خوفاً ويبكي، فتقدم نحوه الفارس وطعنه عدة طعنات، فوقع جثة هامدة على الأرض.
وانتهى جنود الله من تنفيذ العملية، ونظروا حولهم وإذ بالخيمة مليئة بالجثث الملقاة على الأرض في وسط بركة من الدم. واغتنم المجاهدون ثلاث قطع سلاح من طراز ام 16 ،ورابعة من نوع جاليليو مع مخازن الرصاص.
وعند الخروج رأوا ضابطاً صهيونياً يتقدم نحو الخيمة ومعه سلاحه، فانتظروا حتى وصل إلى الخيمة وأصبح على بعد 40 سم منها ، يفصل بينهما ستار فصرخ الثائر أبو عبد ارحمن، الله أكبر، وتقدم نحوه وطعنه في بطنه وأخذ سلاحه ثم أجهز عليه الفرسان.
وهنا بدأ الانسحاب باتجاه النقطة التي رسموها مسبقاً، ولم يصب أي منهم بأذى وخيمت موجة من الضباب الكثيف على المعسكر، وعند الخروج رأوا جنديين ومعهما سلاحهما، ينظران إلى عملية انسحاب الفرسان بعد تنفيذ العملية دون تحريك ساكن، وعندما أصبحوا على بعد عشرين متراً منهم، بدأوا بإطلاق النار، فكانت الرصاصات تتطاير من تحتهم وجنبهم وفوقهم، ولكن الله عز وجل حماهم ولم يصب أحد منهم بأذى.
وبعد ساعة، وعلى بعد ما يقارب من 15 كم من المنطقة، وإذ بالطائرات وصوت الكلاب وسيارات الجيش الصهيوني تقترب من المكان، فاتفق الفرسان الأربعة على أن يذهبوا إلى المنطقة التي رسموها، وناموا ليلتها في بيت أبي جهاد وقاموا بحفظ السلاح تحت مسجد القرية، ومر أسبوع ونصف بعد العملية وهم داخل البيت.
وفكر الفرسان بأن يعيدوا الكرّة مرة أخرى، وأن يهجموا على مركز للشرطة الصهيونية، فخرجوا من البيت عشاء يوم الثلاثاء 25/2/1992، وذهب أبو عبد الله وأبو جهاد لإحضار الأسلحة من تحت المسجد، وبفضل الله عز وجل نجحت الخطة، وأحضروا السلاح وقاموا بحفظه في مكان أمين، وفي هذا الوقت قامت الشرطة بالبحث عن مستورد البلطات الوحيد من هذا النوع واعتقلته، وجرت عملية التحقيق معه فاعترف على الفرسان.
وقامت قوة من الشرطة والجيش الصهيوني بمراقبة البيت لمدة أربعة أيام، وفي الساعة الواحدة والنصف ليلاً حضرت مجموعات كبيرة من الوحدات الخاصة المدججة بالسلاح والكشافات والكلاب والمعدات القتالية. وقامت بالقبض على الفرسان في لحظة لم يكونوا فيها على استعداد للمواجهة، واعتقلت الوحدة الأخوين إبراهيم ومحمد والأكبر محمود والأب المسن ثم على سعيد ويحي.
واعترف الفرسان بعمليتهم البطولية، وحقق معهم في زنازين الجلمة حتى تاريخ 30/3/1992م ، وفي صبيحة 31/3/1992 م أحضروهم إلى قسم العزل ليرابطوا مع إخوانهم تحت الأرض في عزل الرملة، ثم مثلوا أمام المحكمة، وحكم عليهم بالسجن المؤبد ثلاث مرات، وكانت حصيلة تلك المعركة الطاحنة أربعة قتلى وخمسة جرحى من الجنود الصهاينة.