عاش حياة تدلل على مواقف أمنية شديدة كان يتبناها ويتخذها في سبيل إفشال مخططات العدو في النيل منه كرجل مسئول في المقاومة، وأفنى عمره بين قيادة الميدان، وبين الإعداد والتجهيز والتنفيذ والتجنيد والتحريض.. فأوجع العدو أيما وجع، حتى تصدر قائمة المطلوبين لقوات الاحتلال.. إنه الشهيد القائد خالد الدحدوح "أبو الوليد"، الذي ارتقى في عملية اغتيال جبانة بتاريخ 1-3-2006.
ميلاده ونشأته:
ولد شهيدنا القائد خالد شعبان إبراهيم الدحدوح بتاريخ 22-5-1965م، في حي الزيتون بمدينة غزة، وقدر الله عز وجل أن يكون ترتيبه الثالث بين أخوته في الأسرة, وتلقى دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدارس حي الزيتون.
تزوج الشهيد القائد خالد الدحدوح من زوجة صالحة ورزقه الله تعالى بـ 6 من الأبناء، ارتقى اثنان منهم, حيث استشهد نجله "كامل" بتاريخ 25-9-2009م، في قصف صهيوني استهدفه شرق غزة، وارتقى نجله الثاني "أدهم" في حادث سير مؤسف بتاريخ 10-8-2010م.
ونشأ شهيدنا المقدام وسط عائلة مؤمنة مجاهدة , تلمذت أبناءها على حب الجهاد والمقاومة , وقدمت في سبيل الله قافلة طويلة من الشهداء والجرحى والأسرى، ومع اندلاع انتفاضة الأقصى كانت عائلة الدحدوح من أوائل العائلات الفلسطينية المجاهدة التي هبت لنصرة القدس والدفاع عن مسرى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقدمت الشهيد تلو الشهيد حيث قدمت أكثر من 15 شهيدا ً جلّهم من قادة سرايا القدس، من أبرزهم: الشهيد أمين حمدان الدحدوح، والشهيد كريم مروان الدحدوح، والشهيد مهدي مروان الدحدوح، والأشقاء الشهداء (أيمن وخالد ومحمد شعبان الدحدوح)، والشهيد كامل خالد الدحدوح نجل الشهيد القائد خالد، وأخيراً الشهيد القائد شعبان سليمان الدحدوح، ومازالت سائرة على درب ذات الشوكة.
حياته الجهادية:
يعتبر الشهيد خالد الدحدوح (ابو الوليد – 45 عاما) احد أبرز القياديين المطلوبين لدولة الكيان حيث كان يشغل مهمة رئيس المجلس العسكري لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي, وسبق ان تعرض لمحاولات اغتيال باءت بالفشل كان آخرها قبل اغتياله بعدة أشهر عندما نجا من محاولة اغتيال استشهد خلالها اثنان من رفاقه في وحدة التصنيع التابعة لـ "سرايا القدس"، في حين استشهد شقيقه أيمن وابن عمه أمين في عملية اغتيال في 29 شباط (فبراير) عام 2004.
ولمع اسم الدحدوح الذي كان يقطن في حي الزيتون جنوب قطاع غزة على بعد مئات الامتار من محررة "نتساريم" قبل الانسحاب من غزة، إبان انتفاضة الأقصى الحالية، وهو يرأس وحدة التصنيع والوحدة التقنية في "سرايا القدس"، وهما الوحدتان المسئولتان عن تطوير الصواريخ المحلية في سرايا القدس, وكان يشرف بنفسه على عمليات اطلاق الصواريخ.
وكان الشهيد يعتبر منسقاً لعمليات سرايا القدس مع الضفة الغربية، وتنسب دولة الكيان إليه وقوفه وراء عدد من الهجمات التي نفذها مقاتلون من "الجهاد" ضد أهداف صهيونية، وكذلك عمليات إطلاق الصواريخ المتواصلة ضد بلدات صهيونية خارج حدود القطاع.
وحسب مقربين منه، فإن الشهيد خالد الدحدوح كان يتميز بابتسامته الهادئة وروح الدعابة التي يتمتع بها, وقد كان يتمتع بالحس الأمني العالي عندما كان لا يحدث أحداً بما يخطط وبما يدور في رأسه إلا الأشخاص المعنيين والمكلفين لتنفيذ المهمات التي كان يخطط لها.
ويقول قيادي في سرايا القدس: كان أبو الوليد في الاجتماعات الخاصة يتخذ كافة التدابير الأمنية, وكان لا يحمل هاتفاً خلوياً في جيبه وكان يطلب تنفيذ الاحتياطات الأمنية في التعامل مع جميع أجهزة الاتصال وخاصة في وقت الاجتماعات حيث كان يطلب منا وضعها خارجاً أو في مكان بعيد.
ويضيف :" في الفترة الأخيرة قبل استشهاده كان يرفض الخروج في السيارات, فهو كان يحب أن ينهي أعماله مترجلا كي لا تشعر به طائرات الاستطلاع والعملاء, فكثيراً ما كان يغير أماكن سكنه، وكي لا يعرفه أحد في الأماكن التي يحل بها ساكنا جديدا كان لا يختلط بجيرانه وكان قليل التحرك".
وتابع :" ما كان يخرج في السيارات إلا للضرورة, لكنه كان يطلب من جميع من هم في السيارة أخذ الاحتياطات الأمنية في قضية الجوالات, ورغم أن طبيعة عمله في وحدة التصنيع كان لا بد أن يتحرك إلا ان تحركاته كانت حذرة تحدث تحت مبررات وسواتر لغرض التمويه".
الشهادة:
رغم الاحتياطات الأمنية الكبيرة التي كان يتخذها الشهيد أبو الوليد إلا أن المتابعة الميدانية من قبل العملاء والتنسيق الأمني مكنت قوات الاحتلال من الوصول إليه، لكن هذه المرة لم تكن طريقة عادية في الاغتيال.
فقد أعدت المخابرات الصهيونية وبمساعدة عدد من عملائها سيارة مفخخة من نوع سوبارو بيضاء بها أجهزة تجسس ورصد تنفجر فور مرور الدحدوح بجانبها.
وبالفعل مع استمرار المتابعة والمراقبة علمت المخابرات الصهيونية أن أبو الوليد سيتوجه بتاريخ 1-3-2006 لوزارة المالية في مجمع الوزارات، فزرعت السيارة الملغومة في طريق متوقع أن يمر منه الشهيد.
وفي صبيحة ذلك اليوم خرج أبو الوليد لا يحمل أية أجهزة خلوية مترجلاً تجاه وزارة المالية، لكن بينما كان يمر بجوار تلك السيارة الملغومة، انفجرت به، معلنة نهاية مشواره الجهادي.